Friday, February 13, 2015

الشعلة الخامدة

"نفسي أوقف هموم وأغير نفسي. حاولت أغير نفسي و أغير طبائعي اللتي اكرهها لكني لم استطع." هذا ماقاله سامي لنفسه بعد ما نفذ صبره على تصرفاته السلبية واللتي تحتاج الى تغيير.  بعض الطباع تكون في فترة معينة فقط و تتغير مع الوقت، لكن بعضها الاخر يكون مغروز فينا وصعب نغيره، بعضها نكرهها لكن صعب اكمال حياتنا بدونها لسبب او لاخر وهذا السبب خاص فينا. سامي حاول التغيير و وضع خطط للتغيير و وضع الاحتمالات الممكنة من هذا التغيير، بحث عن عملية التغيير و تعمق اكثر واكثر لكنه لم يستطع اكمال عملية التغيير و لم يستطع ان يطبق طرق التغيير اللتي قرأ عنها بالرغم من انه حاول تطبيقها لكن الاستمرارية كانت بعيدة عنه. سامي تائه، يريد تغيير درجاته السيئة بالدراسة و يريد ان يحسن علاقته مع ربه وأمور اخرى خاصة به يريد تحسينها،  ولكن كل الطرق اللتي طبقها اعادته لنقطة البداية، اعادته لنفس النقطة اللتي قرر ان يتغير فيها من الاساس، بدأ يشعر سامي ان التغيير مستحيل.
- سامي: أريد ان اتغير.
- فهد: تغير إذًا ماللذي يمنعك عن التغيير؟
- عقلي.
- اذًا غير عقلك.
- فعليًا اريد التغيير (بنبرة محبطة).
- هل تعلم ان التغيير لايحدث بين يوم وليلة؟ ولايعطي النتائج المطلوبة من اول محاولة، والأهم من ذلك يبدأ الشخص يتغير عندما ينوي التغيير من قلبه انه فعلا يريد التغيير و يحتاجه فعلا. التغيير عبارة عن عملية طويلة وتحتاج الى الصبر، يمر الشخص خلالها بأشخاص و كتب و مقالات وبحوثات و أفكار وأشياء كثيرة غيرها لكن بالنهاية وبعد الجهد الكبير لتخطي كل العوائق سيصل الشخص للمكان اللذي يتمناه و سيتغير. مدة عملية التغيير متفاوتة بين شخص واخر وتعتمد على المشكلة اللتي تحتاج الى تغيير. ممكن ان تحتاج بضع شهور او سنين حتى تكتمل العملية و تصل لمرحلة الاستقرار.
- وكيف اعرف انني وصلت لمرحلة الاستقرار؟
- عندما يتبخر هاجس التغيير. و التصرف اللذي تتمناه قبل التغيير ستفعله تلقائيا بدون تفكير. وتفعله بدون وعيك لحاجتك له.
لكن للاستمرار بالحياة والتغيير احتاج الى دوافع.
- ماهي الدوافع اللتي تريدها؟
- احتاج الى راحة نفسية، استقرار، رضى مالي، رضى نفسي، وأي شيئ له علاقة بحالتي المعنوية و من الممكن ان يحسنها.
- لماذا لا تملك هذه الدوافع؟
- لأن صبري نفذ، والحياة دائما تزداد ظلمة، كأني دخلت في نفق مظلم يزداد ظلمة كل ما اتقدم فيه، في بداية النفق كنت مؤمن بالنهاية و بوجود النور، لكن خلال تقدمي في النفق اضعت الطريق الصحيح وأصبحت لا أعلم هل انا على الاتجاه الصحيح ام الاتجاه المعاكس. مؤونتي قلت و دوافعي تلاشت و إيماني بالنهاية بدأت تأكله الشكوك. الهموم تراكمت والخوف من المستقبل استولى على تفكيري. خلاصة القول اني أضعت الطريق.
- أحتاج الى أن اخرج معك وأمارس معاك رياضة الهرولة، خلال هرولتي معك سأحاول مساعدتك للخروج من هذا النفق، غداً إن شاء الله نتقابل ونهرول من العصر إلى المغرب.
- حسناً، غداً إن شاء الله موعدنا.
إنتظر سامي ليوم الغد بفارغ الصبر، وفكر في نفسه وقال: " ماهو الحل اللذي سيقدمه لي فهد غداً؟ هل سيكون خروجي مع فهد غدًا مجرد مضيعة للوقت ام سأستفيد؟ هذه أمور ليست بيدي ويجب أن احاول اكون سعيد غدًا خلال خروجي مع فهد قدر المستطاع، ماذا سأستفيد اذا حملت همومي معي لأي مكان اذهب إليه؟ سأكون مكتئب و مهموم ولن أعيش لحظتي بالشكل المناسب والمطلوب. يجب أن أعيش كل لحظة غداً مع فهد و في أي شيئ أخر افعله في حياتي و أن أترك همومي لربي. سأحاول ان انام وأستعد ليوم جميل غداً."
في ظهر اليوم الثاني استيقظ سامي نشيطاً و ناسياً جزء من همومه. بدأ يستعد للتمرين، أكل وجبة خفيفة، وبدأ يرتدي ملابس الرياضة ثم ركب سيارته وذهب للممشى، وصل للمشى قبل صديقه فهد، وانتظره حتى وصل وسلّم عليه وبدؤوا في المشي ثم الهرولة.
- سامي: ماهو الحل اللذي ستحاول ان تساعدني به؟
- قبل انا اساعدك احتاجك ان تستمر بالهرولة، حتى أعطيك الحل لابد ان نُكمل هذا الممشى مرتين ونحن مستمرين بالهرولة. شرط الحل هو ان لاتتوقف أبداً عن الهرولة تحت أي ظرف حتى نكمل هذا الممشى مرتين ونحن مهرولين.
- إذاً هيا نبدأ و سانهيه وستعطيني الحل.
- سوف نرى.
بدأوا بالهرولة، وركز سامي بكل قوته لإنهاء هذا الممشى، نسى كل همومه للحظة و ركز فقط على الممشى، هرول وتحدى نفسه للحصول على الحل، في البداية كان مليئ بالإيمان لانهاء التحدي، استمر بالهرولة سامي لمدة 15 دقيقة بدون الشعور بأي إرهاق، بعدها بدقائق بسيطة بدأ يشعر بدوار بسيط و تعب، بعد ذلك بدأ يضعف تنفسه. استمر بالهرولة و جاهد نفسه إلى ان وصل لمرحلة لايستطيع فيها حتى المشي!
- أحتاج إلى راحة بسيطة. (تحدث سامي وهو راكع من التعب).
- اتفاقنا ان ننهي هذا الممشى حتى أعطيك الحل.
- والله لا أستطيع.
- النهاية قريبة...مثل نهاية النفق، هيا نكمل.
تذكر سامي النفق وتذكر مع النفق جميع همومه، وهذه الهموم اعطته الدافع ليكمل ويهرول اكثر واكثر، مع كل خطوة يخطوها يتذكر سامي جزء من خيباته ثم يهرول أسرع ويتذكر خيباته اكثر واكثر، تذكر سامي ان النفق سينتهي مثل هذا الممشى و ان بعد كل ظلام فجر محتوم وأن بعد العسر يسراً، هذه الهرولة أعطته الدافع اللذي يحتاجه في حياته. انتهى سامي من الممشى دون أن يشعر وشعر بنشوة عظيمة وسعادة عميقة  لأنه تغلب على التحدي. هذه النشوة نشعر بها في فترات مختلفة من حياتنا. وتعطينا دافع قوي في حياتنا. هنالك طرق كثيرة للحصول على النشوة. و تختلف طريقة الحصول عليها بإختلاف الاشخاص. أسوأ انواع النشوة هو اللذي يعتمد على شخص آخر، مثل إنتظار كلمة أو فعل معين من شخص مقرب، هذا الشيئ سيجعل من ينتظر يعيش أيام قلقة وسوداء، ينتظر الفرج من ربه إلى ان يحصل على الفعل المطلوب واللذي يتمناه. وحتى اذا حصلت المعجزة وحدث الفعل اللذي يتمناه فإن هذه النشوة اللتي ستأتيه هي ليست إلا نشوة مؤقتة جدا وتزول بسرعة عالية. أحد الطرق للحصول على النشوة واللتي لن تتطلب انتظار شخص معين هي مشاهدة فلم أو مقطع محفز وملهم. أو سماع مقطع صوتي ملهم أو موسيقى ملحمية، كل هذه الطرق وغيرها تختلف على حسب الشخص نفسه، وتؤدي الغرض وتعطي الدافع المطلوب.

ماهي النشوة؟ النشوة هي جزء من داخلنا، في الحقيقة هي جزء من شعلة داخلنا، شعلة تحترق وتعطينا كل شيئ نحتاجه، لكن السؤال هو هل هذه الشعلة مضيئة بداخلنا ام لا؟ الشعلة تشتعل بداخلنا احيانا لكن لا تصل للذروة، مجرد اشتعالها يعطينا نشوات وليست نشوة واحدة، و نورها يظهر في أعيننا و في حياتنا. معظمنا استطاع ان يشعل شعلته لكن اشخاص قليلين جداً استطاعوا ان يحافظوا على الشعلة و يوصلوها لذروتها. هذه الشعلة اللتي عندما تصل لذروتها يفعل الإنسان المعجزات اللتي لم يتوقع يوماً انه قادر على فعلها.
متى تشتعل الشعلة؟ هي تشتعل تلقائياً في الوقت المناسب، ويجب على أي إنسان أن لاينسى أهميتها. سؤال ثاني يخطر ببالنا...كيف تصل شعلتنا إلى ذروتها؟ الشعلة تحتاج الى جهد مكثف و شغف عالي. أيضاً تحتاج إلى عوامل كثيرة، لكي توضح الصورة اكثر لننظر إلى كيفية إشعال شعلة حقيقية...تحتاج الى حطب ومناخ مناسب ومكعبات اللهب لتسرع الاشتعال والأهم من ذلك تحتاج إلى عناية عالية، و تحتاج الى وقت وصبر حتى تصل لذروتها كل هذه العوامل قاعدتها هي الإيمان بأن الشعلة ستصل لذروتها.

 بدأ سامي ينظر لشعلته. لاحظ ان بداخله رماد، سأل نفسه: "كيف أشعل شعلتي؟" لا يوجد احد لديه جواب لهذا السؤال، لكن الشخص اللذي يثابر لإشعالها سيحصل عليها. تذكر سامي بعد وقت من التفكير احد الجمل اللتي قرأها في احد الكتب "البحث عن الحلم من الممكن ان يكلف الشخص ثمن عالي للحصول عليه، ممكن ان يخسر اشخاص مقربين او يغير اسلوب حياته، لكن هذه التكلفة لن تصل ابداً للثمن اللذي سيدفعه الاشخاص اللذين لم يبحثوا ويحققوا احلامهم." ثم استوعب سامي ان شعلته ستشتعل وستصل لذروتها في الوقت المناسب لكن عليه ان يجتهد ويثابر للحصول عليها.
بعد هذه الغيبوبة من الافكار بدأ يسمع سامي صراخاً بعيدا "ياسيد، تسمعني؟ مازلت معي؟ هل انت بوعيك؟" وفجأة استيقظ سامي و وجد نفسه في نهاية الممشى وصديقه فهد يناديه، استجاب سامي له ثم سأل فهد سامي ان كان يحتاج أي مساعدة اخرى. وأجاب سامي "لا شكرا عرفت وجهة نظرك وشكراَ جزيلا لك، جزاك الله خير"، رد فهد "لا شكر على واجب." ثم ذهب كل منهم لسيارته و تفرقا.
سامي في طريق عودته فكر في حلمه جيداَ و وضع خطة لإشعال شعلته، فشل أحيانا و اشعل جزء منها في ايام اخرى، لكن بعد سنين وصلت شعلته لذروتها و ادرك الشعور الحقيقي لهذه الشعلة، و استمر بالمحافظة عليها وتطويرها اكثر واكثر. وشعر بالشفقة للاشخاص اللذين لم يبحثوا عن حلمهم وشعلتهم، لأن الحياة العادية الخالية من الاحلام والمعجزات بالنسبة لسامي مظلمة مثل الحياة قبل عصر الكهرباء.



1 comment:

  1. قصصصه حلووه و محفززه مرره
    وتخلي كل شخص يفكر في شعلته الخامده !
    و يفكر في حلمه و طريقة اشعال شعلته .. عجبتني مره القصه.♡
    أحس أنه القصه كأنها تكمله لقصة " عملية التغيير "
    بإنتظار أفكارك الجديده ♡

    ReplyDelete